من الصعب التحدث عن أمل فكري دون الإشارة إلى دورها كنائب رئيس جمعية النور والأمل — المحرك الرئيسي وراء أوركسترا النور والأمل. فكل حديث مع فكري يعود حتمًا إلى تاريخ ونمو هذه الأوركسترا الفريدة، التي تتكوّن بالكامل من فتيات وسيدات من ذوات الإعاقة البصرية.

من الواضح أن قلبها لا ينبض إلا حبًا لهذه الأوركسترا، التي أصبحت على مرّ العقود عائلتها الثانية، والتي تتحدث عنها دائمًا بكل حب ودفء وفخر.

“لا أحب التحدث عن نفسي”، تقول فكري حين يُطلب منها أن تسمح لنا بالتعرّف على حياتها.
لكن ما تكشفه من تفاصيل صغيرة يرسم صورة امرأة مليئة بالشغف، واسعة الاطلاع، كثيرة السفر، لكنها مكرّسة قبل كل شيء لعائلتين أساسيتين في حياتها — عائلتها الخاصة، وجمعية النور والأمل. وكلتاهما تمنحانها الرضا الذي يغذي روحها الإيجابية.

تأسس معهد النور والأمل للموسيقى عام 1961 كجزء من الجمعية التي أسستها استقلال راضي عام 1954، بهدف تعليم الفتيات الكفيفات ودمجهن في المجتمع. وبمساندة الراحلة سَمحة الخولي — عميدة معهد الكونسرفتوار آنذاك — تم وضع منهج أكاديمي موسيقي مترجم إلى لغة برايل، ودرّس فيه أساتذة من الكونسرفتوار وكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان.

وسرعان ما تشكّل أول أوركسترا صغيرة، تولى تدريبها وقيادتها أحمد أبو العيد. واليوم، تخضع الأوركسترا للإشراف الفني للدكتورة إيناس عبد الدايم — رئيسة دار الأوبرا المصرية — ويقودها الموسيقار علي عثمان.

تعرفت أمل فكري على جمعية النور والأمل من خلال هدايت تيمور، إحدى مؤسسات الجمعية. تقول:

“حين زرت الجمعية للمرة الأولى في أواخر الستينيات، كان معهد الموسيقى قد تأسس بالفعل. في البداية لم أكن أعرف كيف أتعامل مع الفتيات الكفيفات، لكن زوجي زكي هاشم — مؤسس مكتب زكي هاشم للمحاماة، أحد أقدم وأكبر مكاتب المحاماة في الشرق الأوسط — شجعني على التعرف أكثر على نشاط الجمعية. وقد جذبتني الأوركسترا التي بدأت ملامحها بالظهور آنذاك.”

شيئًا فشيئًا وجدت فكري مكانها داخل الجمعية، وبفضل علاقاتها الواسعة استطاعت تنظيم أول حفل لأوركسترا النور والأمل — التي كانت تتكوّن وقتها من 15 فتاة — على مسرح الأوبرا القديمة (الكُخديوية).

“من هنا بدأت أشارك بعمق أكبر في عمل الجمعية، وبدأت الأوركسترا تحتل مكانًا خاصًا جدًا في قلبي.”

جمع بين فكري وبين الأوركسترا إيمانها العميق بالقيم التي تمثلها، إلى جانب مهاراتها في العلاقات العامة التي فتحت أبوابًا كثيرة للموسيقيات. بدأت عروض الأوركسترا تتوسع لتصل إلى المدارس والنوادي والسفارات والعديد من الأماكن في القاهرة.

لكن ذلك لم يكن كافيًا، وبدأ شغف آخر عند فكري في الظهور: حب السفر واكتشاف العالم. تقول:

“لطالما أحببت السفر، وأنا محظوظة لأنني زرت عشرات الدول حول العالم، وبعضها أكثر من مرة.”

كان والدها يعمل في مجال البنوك، لذا سافرت كثيرًا في طفولتها مع أسرتها. وبعد زواجها، نقلت هذا الشغف إلى عائلتها الصغيرة، فكانت تسافر مع زوجها وأطفالها الثلاثة كل صيف لاكتشاف بلدان جديدة. وتضيف:

“أحيانًا كنت أسافر بمفردي أو مع أولادي فقط. أحب مدينة زيورخ في سويسرا جدًا لدرجة أنني أعتبرها بيتي الثاني.”

كان من أحلام استقلال راضي أن تجوب الأوركسترا العالم — حلمٌ تحقق بفضل فكري بعد وفاة راضي.

“في عام 1987، قدمت الأوركسترا — وكانت تتكوّن آنذاك من 35 فتاة — حفلاً لا يُنسى على مسرح الجمهورية، حضره العديد من السفراء والوزراء. وقد ساعد هذا الحدث على تنظيم أول جولة خارجية للأوركسترا.”

في عام 1988، قدّمت الأوركسترا أولى حفلاتها الدولية في فيينا، النمسا، حيث لاقت إشادة واسعة. تقول فكري:

“كانت ردود الفعل مذهلة. من بين ما كُتب عنا في الصحف النمساوية: الهرم الرابع لمصر والمعجزة الإنسانية.”

ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف الرحلات — فقد قدّمت الأوركسترا عروضًا في القارات الخمس وزارت عشرات الدول، بفضل عمل فكري الدؤوب، وجهودها في العلاقات العامة والترويج، وإيمانها العميق بقدرات الموسيقيات الكفيفات.

“الموسيقى هي ما يمنح هؤلاء الفتيات هدفًا وإحساسًا بقيمتهن الذاتية. وهي بالنسبة لهن وسيلة للتعبير عن أنفسهن.”

وتضيف:

“لطالما استمتعت بالموسيقى الكلاسيكية الغربية، وأحب مؤلفات شوبان على وجه الخصوص، كما أكن إعجابًا كبيرًا لأم كلثوم. فرغم أن برنامج الأوركسترا يعتمد في الغالب على الموسيقى الكلاسيكية الغربية، إلا أنه يشمل أيضًا مؤلفات مصرية وعربية.”

أما عن السفر، فتقول:

“السفر يفتح أمام الإنسان ثقافات مختلفة، وأنا أعشق زيارة المتاحف.”
وتشير إلى متحف اللوفر في باريس، والمتحف المتروبوليتان في نيويورك، والعديد من المتاحف التي زارتها مع أسرتها في لندن وشيكاغو وإيطاليا وإسبانيا وغيرها.

وخلال زيارتها الأخيرة إلى برلين مع الأوركسترا، بدأت جولتها في متحف نويِس الذي يضم تمثال الملكة نفرتيتي الشهير. وأصبحت زيارة التمثال تقليدًا خاصًا بها في كل مرة تسافر فيها إلى برلين. وفي تلك الزيارة، أُتيح للفتيات الكفيفات لأول مرة لمس نسخة برونزية من التمثال مرفقة بوصف مكتوب بلغة برايل.

من الصعب حصر جميع التجارب الرائعة التي مرت بها الأوركسترا خلال رحلاتها — من التطور الشخصي إلى الإشادات العالمية والتصفيق الحار في كل مكان.
ورغم تقدمها في العمر، ما تزال أمل فكري مفعمة بالحيوية. اليوم يساندها فريق عمل، وتشاركها ابنتها هالة — وهي أيضًا عضوة في مجلس إدارة الجمعية — في الكثير من المهام التنظيمية. ومع ذلك تبقى فكري القلب النابض للأوركسترا، تحظى بحب واحترام الجميع.

تقول شاهيناز صلاح، عازفة الكونترباص:

“أمل فكري تحبنا فعلًا، ونحن نشعر بذلك. تعاملنا جميعًا بمساواة واحترام كبير، وتهتم بنا كفنانات وكبشر.”

وتضيف بسمة سعد، عازفة الكمان وقائدة الأوركسترا:

“نستمتع بالموسيقى والتعلم والسفر، لكننا نتعلم أيضًا المسؤولية التي تتطلبها مهنتنا.”

كل من في الأوركسترا يصف أمل فكري بصفات لا تنتهي: محبة، داعمة، متواضعة، مشجعة، مخلصة، وملهمة.
أما نجاة رضوان مصطفى، السكرتيرة التنفيذية للمعهد الموسيقي، فتعدد المواقف التي دعمت فيها فكري الفتيات خارج نطاق عملهن الفني.

الرابطة القوية التي نشأت بين فكري والفتيات واضحة في كل لحظة — في أحاديثهن وضحكاتهن في الحافلة أثناء التوجه إلى الحفلات، وفي الطريقة التي ينصتن بها لنصائحها بحب واحترام.

وبينما يقدم المعهد الموسيقي تدريبًا أكاديميًا عالي المستوى، تظل أمل فكري هي المحرّك الأساسي الذي يدير العجلة. تواضعها وحيويتها لا يقلان روعة عن الموسيقى التي تعزفها فتيات الأوركسترا الكفيفات.
ورغم فخرها بإنجازاتهن، فهي نادرًا ما تشير إلى إنجازها الشخصي العظيم.

اليوم نرى الثمار الملموسة لسنوات من العمل الجاد والإيمان العميق بأنها قادرة على تحسين حياة هؤلاء النساء الكفيفات — ويا له من إنجاز رائع.